التخطي إلى المحتوى

تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
google news

اليمين المتطرف يُحقِّق مكاسب كبيرة في انتخابات البرلمان الأوروبي، ويقترب من رُبع مقاعد المجلس التشريعي للكتلة البالغ عددها 720 مقعدًا، ارتفاعًا من الخمس في الدورة الماضية عام 2019. ورغم كون هذه النتائج متوقعة خلال استطلاعات الرأي السابقة للانتخابات إلا أنها لم تمنع الصدمة والشعور بخيبة الأمل لدى المحافظين والليبراليين والخضر واليسار.  كان أداء التيارات اليمينية المتشددة جيدًا في ألمانيا ووجهت النتائج ضربة موجعة للمستشار الألماني أولاف شولتز، وفازت بشكل مريح في التصويت في فرنسا، مما دفع إيمانويل ماكرون إلى الدعوة لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة. دعوته شكلت صدمة لحلفائه لكنها اعتُبرت استجابة فورية لمنافسيه، حين طالب جوردان بارديلا إثر إعلان فوز حزبه “التجمع الوطني” اليميني المتطرف، الرئيس إيمانويل ماكرون بأن يحتكم للشعب الفرنسي وينظم انتخابات تشريعية في ضوء هذا الوضع السياسي الجديد؛ وهو ما دفع ماكرون إلى الدعوة لتنظيم انتخابات للجمعية الوطنية في جولتين متتاليتين، 30 يونيو و7 يوليو، بعد أن أظهرت النتائج الأولية أن حزب التجمع الوطني الفرنسي حصل على أكثر من ضعف حصة تحالف ماكرون الوسطي. وقال ماكرون في خطاب ألقاه أمام الناخبين من قصر الإليزيه: “لقد قررت أن أعيد لكم الخيار”. وهذه اللغة بين المنافسين تحاول أن توصل رسائل مفادها الحفاظ على قيم الديمقراطية والارتكان للصندوق الانتخابي. 

ومن المتوقع أن يجرَّ نواب اليمين المتطرف البرلمان الأوروبي نحو مواقف أكثر مناهضة للهجرة والتكيف البيئي وتوسيع عضوية الكتلة. ورغم احتفاظ أحزاب الوسط بالأغلبية في البرلمان الجديد، إلا أن التحديات أمامها كبيرة في إدارة مؤسسات الاتحاد في ضوء البحث عن حلفاء جدد للحصول على الأغلبية الناجزة من بين المجموعات المتطرفة الفائزة خاصة بعدما خسرت المزيد من حلفائها التقليديين من أحزاب الخضر واليسار. وسوف تظهر خلال الأشهر القليلة المقبلة مؤشرات تعزيز اليمين المتشدد والقوميين الشعوبيين نفوذهم في البرلمان، من ذلك زيادة التشكيك في جدوى الاتحاد الأوروبي وممارسة الضغوط على صانعي القرار في المفوضية وبقية المؤسسات في اتجاه نحو الاستقلال الاستراتيجي، خاصة عن الولايات المتحدة الأميركية وحلف شمال الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة. وهم يرون أن الحرب في أوكرانيا عززت الهيمنة الأميركية على دول الكتلة التي أصبحت تعاني اقتصاديا وأمنيا، من ذلك أن المساعدات لأوكرانيا تمَّ تنسيقها في القاعدة الأمريكية في رامشتاين بألمانيا، كما تمَّ تكريس هذه الهيمنة عبر مشتريات ضخمة من الأسلحة الأمريكية لتجهيز الجيوش الأوروبية مثل الصواريخ ومقاتلات إف 35، باهظة الثمن، وغيرها الكثير. 

كما ينتقد اليمينيون المتشددون والشعبيون العقوبات التي أقَرّتها مجموعة السبع – التي كانت تُسمَّى مجموعة الثماني، قبل إقصاء روسيا – تحت القيادة الأمريكية ويهاجمون أيضا قرارات الحظر على الغاز والنفط الروسيين، حيث انتقص هذا الاصطفاف -من وجهة نظرهم- من مشروع الاستقلال الاستراتيجي لأوروبا. ويذهب حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف لأبعد من ذلك، ويتهم المستشار الألماني أولاف شولتز وحزبه الديمقراطي الاجتماعي بأنه جعل ألمانيا “رأس حربة” لتلك الهيمنة الأمريكية في أوروبا؛ اعتبارًا من العام 2022، عندما خصص شولتز مبلغًا إضافيًا قيمته 100 مليار يورو للميزانية العسكرية، جزء كبير منها تم توجيهه لشراء الجيش الألماني طائرات عسكرية أمريكية من طراز F35 ومروحيات ثقيلة أمريكية. 

وهكذا فإن اليمينيين المتطرفين يتهمون مؤسسات الاتحاد الأوروبي بأنها تركت المجال فسيحًا أمام هيمنة الولايات المتحدة لتملي قرار زيادة الإنفاق العسكري وتعزيز المجمع الصناعي العسكري الأمريكي على حساب مواطني دول الكتلة الذين تدهورت قدرتهم الشرائية وساءت أحوالهم.

ومن المنتظر أن نرى أيضًا مواقف أخرى شديدة العنصرية من هذا الفصيل اليميني المتطرف ضد المهاجرين وطالبي اللجوء وسيطالب باستخدام الدول الأوروبية “حقها” في الدفاع عن أمنها وحدودها بكافة الموارد والتقنيات الحديثة والأسلحة والطائرات والسفن لتحويل أوروبا إلى قلعة لا يستطيع دخولها المهاجرون واللاجئون، حتى لو أدى الأمر إلى منح فرق مراقبة الحدود البحرية استثناءات على حساب أرواح وحياة الهاربين نحو شواطئها. وسيكون التعاون المقترح مع دول حوض المتوسط وبلدان إفريقيا من منظور هيمنة وليست شراكة، مع محاولات فَرْض الاتفاقيات التي لا تخدم سوى مصالح البلدان والشركات الأوروبية. وسيكون تعزيز التعاون مشروطًا بفتحها مراكز لاستقبال اللاجئين لحين النظر في ملفاتهم والبتّ فيها مع التعهد أيضًا بمراقبة وسجن وترحيل المهاجرين غير النظاميين بشكل “استباقي”. كما أن العنصرية من جانب هذا التيار المتطرف تستخدم كالعادة “تأليب” المجتمع ضد العرب والمسلمين بشكل مضاعف، وسيكون تأييد العدوان الصهيوني الوحشي المستمر منذ تسعة أشهر على الشعب الفلسطيني أحد مظاهر تلك العنصرية الكريهة؛ بل وقد يطالب اليمينيون المتشددون الاتحاد الأوروبي بمعاملة الكيان الصّهيوني كعضو له كل حقوق الدّول الأعضاء دون تقييده بواجبات الأعضاء، مع تحريض دول الكتلة على عدم تعليق الاتفاقيات العسكرية والعلمية والتجارية والثقافية مع الكيان الصهيوني الذي يُمارس الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.

أما في مجال التكيف البيئي فإن المعركة ستكون أكثر شراسة مما سبق بين اليمينيين المتطرفين من جهة وأنصار البيئة وأحزاب الخضر من جهة أخرى والذين تضاءل نفوذهم في ضوء خسارة العديد من مقاعدهم داخل البرلمان الجديد؛ يشجع اليمينيون المتشددون الزراعة الصناعية المدمرة واستخدام الوقود الأحفوري والطاقة النووية وذلك تحت دعاوى الانحياز لصغار المزارعين والمصنِّعين المحليين إضافة للمواطنين الذين يئنون تحت وطأة تضخم فواتير استهلاك الطاقة وارتفاع أسعار المنتجات، وهو ما يفاقم وتيرة الأزمة البيئية. وتلك في مجملها أهم التحديات التي ستواجه تحالف المحافظين والليبراليين الكلاسيكيين داخل البرلمان ومؤسسات الاتحاد الأوروبي كما ستشكل معوقات إضافية أمام تعزيز الشراكة مع العرب والشرق الأوسط وربما الولايات المتحدة الأمريكية إذا فاز جو بايدن بفترة رئاسية ثانية. وفي كل الأحوال لن تكون السنوات الخمس المقبلة سهلة على جميع الأطراف بل إنها حقبة عنوانها الصراع بامتياز! 

مصدر الخبر

التعليقات