التخطي إلى المحتوى

خلق الله هذا الكون وجعل له نواميس وقوانين تحكمه، فكل جرم من الأجرام السماوية له مساره وفلكه الذي يدور فيه، وكذلك الحالة في حياة الإنسان فالله لم يخلقه عبثا، ولم يتركه سدى، وإنما أوجده لعبادته ولعمارة هذه الأرض، وجعل له كذلك نواميس وقوانين تحكمه وتدير حياته، والباحث في مكنونات حياة الإنسان يجد معاني عميقة يحاول أن يكشف أسرارها وكيف يستفيد منها لتحقيق أهدافه وغاياته، سواء كانت هذه الأهداف والغايات دنيوية أو أخروية، ولو أتينا إلى معنى من المعاني الروحية الدينية وهو «التوفيق» لنتلمس معاني هذه الكلمة ونسبر أغوارها، ونتعرف على الطريقة التي تشتغل بها، فالتوفيق هو الهبة التي يهبها الله لمن يشاء من عباده لتحقيق ما يريد وفق المشيئة الإلهية.

فالإنسان يسعى إلى أن يوفقه الله إلى إلى معاني وأهداف تتمثل في ما يخص معيشته ومكاسبه الدنيوية، كأن يوفقه الله لوظيفة أو مهنة يكسب بها قوته وقوت عياله وتدر له مبلغا يعتاش به، أو أن يرزقه الله سيارة صالحة يتنقل بها، أو أن يرزقه زوجة صالحة تكون سكنه وأما لعياله وتعينه في هذه الحياة، كما يسأله الذرية الطيبة، كل هذه الأمور والمطالب الدنيوية مشروعة، ويسأل الإنسان فيها ربه أن يوفقه إلى تحقيقها، وقد تتحقق بتوفيق الله، وقد يؤجل الله تحقيقها، وقد يمنعها الله عنه توفيقا له لما فيها من شر خفي لا يعلمه إلا الله.

ولكن هنالك أعمال خير محضة، وهي التي تخص الأعمال التعبدية فكلها أعمال خير، فالصلاة خير والصوم خير والصدقة خير، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يوفقه إلى فعل الخيرات، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم إني أسألك فعل الخيرات» ولو تأملنا في المعاني الدقيقة لهذا الدعاء لوجدنا أن أعمال الخير موجودة ويعرفها المسلمون عامة من فضل صلاة وصيام وصدقة وغيرها من أعمال البر، إلا أنها لا يقوم بها أو لا يوفق لها إلا من اختصهم الله بهذه الهبة وهي التوفيق.

ولذلك قسم الفقهاء الهدايات إلى نوعين هما: هداية بلاغ، وهداية توفيق، فهداية البلاغ أن يصلك هذا الدين وما يشتمله من أركان إيمان وإسلام، أما هداية التوفيق فهي أن يوفقك الله إلى الدخول في هذا الدين ومعرفة أركانه وشرائعه والقيام بالواجبات وترك المحرمات، وشتان بين أن يصلك هذا الدين ويبلغك ولكن تحرم من الدخول فيه، وبين أن يصلك ويبلغك ويوفقك الله للدخول فيه، فهو مثل أن تعرف بفضائل الأعمال وثوابها وبين أن يوفقك الله للقيام بتلك الأعمال وتنال أجرها.

ولكن ما هي الأسباب والأعمال التي تجعلنا من الموفقين، والتي من خلالها يصلح حال ديننا ودنيانا؟ أول هذه الأعمال الدعاء فكما تقدم أن الله أمرنا بدعائه ليوفقنا إلى إقامة العبادات فهذا إبراهيم الخليل عليه السلام يدعو ربه أن يجعله مقيما للصلاة هو وذريته، فقال تعالى على لسانه في السورة التي حملت اسمه: «رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء».

وكذلك بر الوالدين من أعظم الأعمال الموصلة إلى توفيق الله عز وجل، فبالرحمة التي ترحم بها والديك وتقوم بخدمتهما على النحو الذي أمرك الله به، وتبرهما، فإن الله يرحمك بأن يجعلك من الموفقين، وقد دعا جبريل عليه السلام وأمن عليه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فقال في الحديث النبوي الشريف: «من أدركَ أحدَ والديْهِ فماتَ فدخلَ النَّارَ فأبعدَه الله، قُل: آمين، فقلتُ: آمين»، وهذا لعظيم قدرهما عند الله عز وجل، وهما باب من أبواب الجنة، وما أجمل أن يتودد المؤمن إلى والديه لكي ينال دعاءهما له بالحفظ والتوفيق، فتتنزل رحمات الله على من دعا له والداه.

ومن أعظم الأبواب الموصلة إلى توفيق الله ونيل رضاه هو باب التقوى، فالالتزام بأوامر الله والانتهاء عن نواهيه يصنع الصلاح والفلاح للمؤمنين، فالتقوى أساس الصلاح والفلاح، وقد كرر الله عز وجل في كتابه العزيز في أكثر من موضع تأكيدا لهذه الحقيقة، فقال تعالى في سورة آل عمران: «واتقوا الله لعلكم تفلحون» وقال في الحجرات: «وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» فتقوى الله موصل إلى النجاح والرحمة والشكر.

وخلاصة الأمر أن التقرب إلى الله بأنواع القربات وصنوف العبادات ومنها التقرب إليه بالنوافل هو تعرض لرحمات الله حتى ينال حب الله، ويا سعد من أحبه الله فسيكون موفق المسلك في كل أعماله وأفعاله، ويكون وليا من أوليائه المقربين، فقد قال الله عز وجل في الحديث القدسي الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: إن الله قال: «من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه». فما بالك بمؤمن أوصله الله إلى درجة المحبة التي الذي أصبح كل عمل يقوم به تحت عناية الله وحفظه وتسديده وتوفيقه؟

مصدر الخبر

التعليقات